«عكّـــد» بـي فـــوق تنَّــور فـــي الضُلمـ الكــابتّ

هذا الموضوع نقلا عن جريدة الصحافة .. العدد 5279 بتاريخ 18:3:2009


سيناريو: حسام الدين ميرغني
ان كان القلم قسما غليظا اقسم به الخالق، حري بالمخلوق ان يقدسه ويتخذه عهدا مسؤولا.
ظللنا في هذا الملف نتجه اينما تدور البوصلة نوثق ونكتب عن الإنسان والمجتمع وتبرير الاشياء التي نخاف عليها من الاندحار. وان كانت طبيعته «الطريفة» تجعل الناس احياناً يظنون اننا نتندر دون الرجوع لخط الموضوع الاساسي الذي تنبني عليه «السرديات» و«الونسة». عندما كتبنا «رقصة بلة العكادي» الجمعة الفائتة، كان الخط الرئيسي للمقال محاربة ظواهر التصنع والتشبه التي اجتاحت المجتمع وعلى أعلى قمته التكوينية «الجامعة» التي يفترض ان يكون خريجها هو البذرة الاولى للتمسك بثوابت المجتمع وتراثه واصالته، لا الانجراف وراء الثقافات السالبة التي لا تمثلنا.
قصدت عندما قلت اسألوا أهل العلم عن «العكادي» الذي هو «صفة» ولم أقصد «مكانا»، من يتسم بالشهامة والرجولة والدوغرية، قصدت ان يراجع القارئ نفسه ويتأمل هذا المعنى الذي سقط من قواميس الكثيرين، والصقت به اسم بلة حتى امثل به رمز الاصالة في مجتمع منجرف يملك درجته العلمية ويتمسك بجذوره وتراثه «لواي سلسلن» «الحارة بنخوضها» «الصقيرة» «العرضة» وحتى الهيبة وسط الزملاء، بل والتمسك بمبادئه بعد ان حاولوا ان يغيروه باللحن الشرقي. وكان لابد من ان اشير الى ان بلة مرتبط بمجتمعه حتى في خياله فكان «ود اب كافوت» «عشمانة بت الصقير» كشخصيات من الخيال، حتى يكون السرد مقنعاً ويؤدي لاغراضه. وكان في الجانب الآخر «لوسي» «حسن حنكشة» واهلهم الذين يصفقون ويزغردون لهذه الترهات والثقافات السالبة.
شخصية «ود أب كافوت» خال بلة اشتققت اسمها من حوار سابق مع عمدة «بني حسين - كنانة» الشيخ / احمد محمد سليم، عندما حاورته عن فارس القبيلة الذي قتل اسدا بسكين. ونشر الحوار في الاسبوع الاول لرمضان المعظم السابق في «ونسة» تحت عنوان «في زمن العولمة والقرن العشرين هنالك من قتل أسداً بسكين» برضو حاربنا فيه التصنع والتخنع واشرنا الى فراسة الرجل. وتناولنا الموضوع في طرافة لا تخلو من الموضوعية، حاورنا الفارس والعمدة الذي اعطانا قصيدة تمجد الفراسة وورد فيها: «كافوت ابن طالب للفقر قلام»
استفدت من اللفظ الذي يشير لسيف «الامام علي» البتار واضفت له «ود أب» ليصير اسماً.
تخيل عزيزي القارئ أن هذه الأسماء التي تخيلتها تجسدت واقعاً حقيقياً في احدى القري بنهر النيل حيث يوجد «بلة العكادي» و«كافوت» ولم اجد «حسنين». اتصل بي العديد مستفسرين عن القصد ومن اين جئت بهذه الاسماء. وعندما أسأل عن المتصل انت منو؟ يكون الرد «الهادي كافوت او فتح الرحمن كافوت» في بادئ الأمر ظننت أن الأمر مقلباً من صديق او قريب. ولكن بعدما توالت المواقف عرفت ان الامر لا يحتمل «الهزار» وبعدين ما في زول بيهزر بي رصيدو كده.
وتوجهت صباح اليوم التالي الى القرية التي حدث بها تلابس الأسماء وهي قرية «العكد» التي تقع جنوب عطبرة. وهي من القري التي تتميز بترابطها الاجتماعي الفريد، حيث الادارة الاهلية الحقة التي توفر لاهاليها سبل الحياة من معيشة وماء وكهرباء ومشاريع وخدمات اجتماعية. ويتميزون بنظام «التكيب» الذي هو مجلس انتخابي يتكون من أحد عشر فرداً من خشوم بيوت القبيلة. وصار هذا النظام مبحثاً لرسالات ماجستير ودكتوراة.
وقضيت معهم يوماً كاملاً وأصروا على استضافتي في منزل «كافوت» الكبير الذي كما علمت أنه اسم متميز للأمير «عوض الكريم كافوت» فارس المهدية والذي كانت له صولات وجولات مع الأمير عثمان دقنة الذي وثقنا له سابقا في «ونسة». وسيكون «كافوت» وسيرته ضيف التوثيق يوم الجمعة القادم. وهذا ما استفدت منه في رحلة توثيقي لرموز السودان المجيد.
اثناء مروري بعربة الاخ فتح الرحمن كافوت، سألني عن احد المارين: تعرف الزول داك يا حسام؟ طبعا اجبته بالنفي، قال لي داك «بلة العكادي» ذاتو؟
وكلمة «عكد» في اللغة العربية كما جاء في رسالة الاستاذ الحاج محمد زين سعد «عكد الشئ اي وسطه. وعكد اللسان اي وسطه. وناقة عكدة اي ناقة سمينة» فشكراً جزيلاً لهذا التوضيح. وهذا ما ابحث عنه عند اهل العلم.
مشهد أخير:
أحياناً ترسم لك الأقدار «سيناريو» لا تتوقعه. وتجد نفسك تريد أن توضح شيئاً ويفهم من منظور آخر... لقد كانت تجربة حقيقية اردت ان اشرك فيها احباء «ونسة».. تجربة استفدت منها مهنياً وحياتياً. واستفادت «ونسة» بسيرة «الأمير كافوت» الذي كرمه نميري بوسام النيلين للشجاعة.
عذراً لمن ظن بي السوء، فما اردت الا الخير .. شكراً أبانا الشيخ / ابشر الطاهر إمام مسجد العكد.. شكراً للحاج/ أحمد عبد الله العوض وعبد الله علي عمر. والإخوة عاصم والهادي وفتح الرحمن وحازم ويس وجبريل.. ولكم العتبى حتى ترضوا.