مسيرة الحياة مستمرة يذهب قوم ويجئ آخرون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, وهاكم طرائف لبعض أعمامنا ممن إختارهم الله لجواره ولعل من لطف الله بهم أن تقترن هذه الطرائف باسمائهم وكأنها صدقة جارية تستمطر الرحمة عليهم كلما استحضرها الناس وذكروها .. ونناشد كل من يقرأ هذه الكلمات أن يسأل الله لهم الرحمة.
[مصطفى الحر.. وسواقي تستحق أن يضحى من إجلها بالابناء
طرائف الحر عليه رحمة الله كثيرة , ومن ذلك أنه أراد مرة آداء عمل زراعي ملح لا يحتمل التأجيل, ووقف إلتزامه بالعمل الحكومي في السكة الحديد عائقا في وجه إنجاز هذا العمل, فهو كما يبدو قد استنفد رصيده من الإجازات العادية والإضطرارية, وزاد من صعوبة الأمر أن عدد أيام إجازاته المرضية كان متضخما جدا ولا يسمح بالمزيد, وحتى باب الإستئذان تم طرقه عشرات المرات واهترأ من كثرة الطرق, فأسقط في يده , وبعد تفكر وتدبر قرر أن يستخدم آخر كرت في حوزته وهو كرت لم يلعب به من قبل, بل لم يسبقه إليه أحد, فقد فوجئ العمال ذات صباح بالحر وهو منفطر القلب ونظرات الحزن تبدو في عينيه يخبرهم بأن إبنه الوحيد (العوض) قد سلف وإنتقل إلى رحمة الله تعالى...قام المسؤولون والعمال بتعزيته ولم يتردد رؤساؤه في منحه إجازة لإستقبال المعزين, كما تم صرف بعض العمال معه للوقوف بجانبه, لكن دهشة هؤلاء المرافقين كانت شديدة حين علموا عند وصولهم للقرية أن العوض حي يرزق وأنه في أحسن صحة وأن قصة الحر هي التي لا أساس لها من حسن الصحة, أما الحر الذي كان حماره يسابق به الريح نحو الحقول فلم يكلف نفسه عناء شرح الموضوع لزملائه فلا وقت لديه للتفسير وتقديم التبريرات, فقد توجه من مقر عمله رأسا الى الجزيرة لأن الساقية لابد ان تكون مدورة, ولتذهب السكة الحديد في ستين داهية.
عبد الرحمن ود بطران يلتزم....وعبد الحفيظ يدفع مرغما
في إحدى المناسبات جلس عبد الرحمن ود بطران, رحمة الله, وبجواره أحد التجار وبعد العشاء توجها سويا نحو المحاسبين لدفع (القدح). فوجئ ود بطران بالتاجر وهو يخرج خمسة جنيهات كاملة ويضعها أمام المسؤولين عن الكشف, ولم يكن في جيب ود بطران سوى جنيه واحد, وبما أنه كان وبطبيعته يحب دائما أن يكون في المقدمة, والموقف دقيق والثواني معدودة فكان لابد له من تشغيل المخ للخروج من الورطة, فقاده ذكاؤه للحل المنشود, طلب منهم بصوت عال كتابة اسمه وأمام الأسم خمسة جينيهات ثم أخرج الجنيه الذي في حوزته واثقا مطمئنا ووضعه أمامهم قائلا: (شوفوا عبد الحفيظ يكمل لكم الباقي), وانصرف راشدا...ولم يكن أمام أفراد فريق المحاسبة من خيار سوى البحث عن عبد الحفيظ وإلزامه بالسداد وما كان في مقدور عبد الخفيظ أن ينقض أمرا أبرمه والده.
الجد على عمر والمكي وخلاف حول هوية التكسي.. هل هو عربة أم شئ آخر
ركب الجد على عمر عليه الرحمة ذات مرة سيارة يقودها أبنه المكي, وفي أحد المنعطفات طلب المكي من والده الإلتفات يمينا بغرض كشف الطريق والتأكد من خلوه من العربات قال المكي:
- شوف يا بوى في عربية في الخط
إلتفت الجد ثم أعلن للمكي وبكل ثقة خلو الشارع من الأخطار, وبناء على هذه المعلومات الموثوق بصحتها إنعطف المكي آمنا مطمئنا, ولكن ما هي إلا ثواني حتى فؤجئ بوجود تكسي يصدمه من الجهة التي قال له أبوه أنها خالية تماما من العربات, وأمام هذه المفاجأة غير المحسوبة إلتفت غاضبا نحو والده يلومه . غير أن الجد قال بكل حزم معيدا الكرة إلى ملعب المكي:
- يا ولد أنت قلت شوف في عربية ..ما قلت شوف في تكسي!!
مزراع عكادي يجعل أرضه من أراضي قوم ثمود
المزارع له أثنان من الأعداء هما الطير والنسوان, أحد هؤلاء الأعداء وهو الطير يمكن مكافحته, لكن مكافحة النسوان تحتاج إلى جهد مضاعف, فالمرأة لديها قفة لابد من ملئها مما تنتج الأرض من بقلها ونجيلها وسعدتها وكاويقتها, فصياح غنيمات جائعات في حظيرة هذه المرأة لهو أشد وقعا وإيلاما في سمعها من صياح مزارع غاضب, فجر ثورته ضربة (نجامة) أصابت ساق شجرة بامية, وبعض هؤلاء النسوة مثل قرادة البعير لا يجدى معها لا الزجر ولا الطرد, تقفز لتهبط في ثوان في نفس الموقع, وقد وجد أحد المزارعين حلا ناجعا لهذه المعضلة, فقد قرر هذا المزارع أن يأخذ راحته بالكامل في الهبوط للنيل بغرض الأستحمام والترويح عن النفس سواء كان الجو حارا أو باردا, وأخذ الراحة بالكامل في مفهوم هذا الرجل يعنى الهبوط في النيل كما ولدته أمه ثم الخروج من الماء والعودة إليه وهكذا الحال عدة مرات.. وكان له ما أراد.. فقد أصبحت النسوة تمر عبر أرضه مرورا سريعا لا توقف فيه كمرور المسلم بإرض قوم ثمود, أوكمرور العرب بإرض النوبة في إتفاقية البقط (عابرين غير مقيمين) .